عثمان ميرغني:يكتب..تدويل الميدان العسكري..أزمة جديدة
رصد – اخبار السودان العاجلة –
المبعوث الأمريكي الخاص بالسودان توم بيريللو قال لصحيفة “الشرق الأوسط” (فتحنا قنوات اتصال مع الاتحاد الأفريقي لتهيئته لإعداد قوات تدخل لحماية المدنيين في السودان). و كأني به يلوّح بـ(آخر العلاج الكي) بعد فشل جولة المفاوضات التي دعا إليها في سويسرا، ثم تحولت إلى آلية ALPS لتترك الباب مواربا في انتظار أن يقرر الرئيس البرهان الانخراط في التفاوض.
لكن تلويح المبعوث الأمريكي لم يكن حكيما. خاصة في هذا المرحلة التي تحرك فيها سكون الأزمة السودانية وباتت تجد اهتماما اقليميا ودوليا على مستوى الدول والمنظمات. فهو بهذا الاتجاه قد يرفع من أصوات قوى الممانعة في السودان التي ترفض المفاوضات من المبدأ.. بل ويمنحها وقودا كافيا لاشعال وتيرة تحشيد شعبي تحت لافتة مقاومة التدخل الأجنبي في البلاد.. وبلاشك سيسمع قرع طبولها كثير من المنتظرين على أبواب السودان من التنظيمات المتطرفة التي ستجد بيئة مساعدة للنمو والنشاط بعد تدويل المعركة الميدانية.
تصريحات السيد بيريللو ورغم كونها تشير إلى مجرد “فتح قنوات تواصل” وهي مرحلة مبكرة لم تبلغ بعد مساق القرار أو التنفيذ.. لكنها كافية لإثارة غبار كثيف ينقل الإنتباه من آلية التفاوض التي لم تيأس بعد من وصول وفد الحكومة لطاولة الحوار إلى ميدان معركة جديدة ستجد رنينا عاليا من عبارة “التدخل الأجنبي” ذات الحساسية المفرطة جماهيريا، ولو كان من نصح يمكن تقديمه قبل أن يتصاعد الضجيج المتوقع، فالأفضل أن يتراجع عنها أو ينفيها أو يعيد تفسيرها بما ينزع عنها فتيلها.
في الجانب المقابل فإن هناك كثير مما يؤكد أن (قنوات الاتصال مع الاتحاد الأفريقي) التي تحدث عنها المبعوث الأمريكي لن تكون سالكة.. فالأمر برمته في يد مجلس السلم والأمن الأفريقي شبه المستقل في قراره رغم كونه ذراعا في هياكل الاتحاد الأفريقي. و لحسن الطالع تولى الدكتور محمد جاد سفير مصر لدى اثيوبيا و مندوبها الدائم لدى الاتحاد الأفريقي رئاسة هذه المفوضية.
و يزور وفد مجلس السلم والأمن الأفريقي بورتسودان اليوم في استهلال قد يساعد على تجاوز تلويح المبعوث الأمريكي.
مصر علاوة على روابطها التاريخية وصلتها الوثيقة بالسودان.. هي المتأثر الأول بالأزمة السودانية ليس فقط في اضطراد زيادة أعداد الذين تستضيفهم على أرضيها فحسب، بل ومن تأثيرها المباشر على الأمن القومي المصري.
وتستطيع مصر استخدام ثقلها الأفريقي والدولي لمنع تدويل الأوضاع الميدانية عبر أية بوابة حتى ولو كان الاتحاد الأفريقي.
قوات التدخل التي لوح بها المبعوث الأمريكي ليست حلا بل مزيدا من الغوص في مستنقع الأزمة.. فهي لن تحمي المواطنين كما يفترض تفويضها.. بل ولن تحمي حتى نفسها على غرار ما حدث لقوات بعثة “يوناميد” في دارفور.. التي بدلا من حماية المدنيين ظلت باستمرار تستنجد بالجيش السوداني لحمايتها من الهجمات التي تعرضت لها.
من الحكمة التعويل على مسار المفاوضات مهما تأخر أو بدا متعثرا.. فهو الطريق الأمثل والأسرع والأقل تكلفة لانهاء الأزمة السودانية.
حديث_المدينة الخميس 3 أكتوبر 2024