د. مزمل أبو القاسم: يكتب… براءة الجيش؟؟

0

رصد  – اخبار السودان العاجلة  –

 

 

 

الجيش (كمؤسسة) بريء من صناعة الجنجويد، ولم يكن راضياً عن وجودهم يوماً، ولم يقبل بالدعم السريع مطلقاً، وكان كل أفراد الجيش من أصغر جندي وحتى أكبر رتبة ينظرون إليه كخصم وعدو وبديل محتمل لأعرق مؤسسة في الدولة السودانية، الجيش لم يهضم وجود الدعم السريع أصلاً..

 

لا في عهد الإنقاذ ولا في الفترة الانتقالية، وقرار إنشاء الدعم السريع كان سياسياً اتخذه البشير بنفسه ولا دخل للجيش به، وتضخيم الدعم السريع عسكرياً واقتصادياً تم بقرارات سياسية لا دخل للجيش بها، وحالة عدم القبول به كانت متمددة داخل الجيش، بدليل أن البشير اضطر إلى إسناد إدارته إلى جهاز الأمن، وخلال الفترة الانتقالية ظل جهاز الاستخبارات يرصد كل حركات وسكنات الدعم السريع وقادته، ويضبط كل شحنات السلاح النوعي التي تصله وأيضاً كان قرار فك الحظر عنها سياسياً..

 

والجيش دفع ثمن تفريط الساسة في عهدي الإنقاذ والفترة الانتقالية غالياً، وفي تقديري فإن خطأ إشراك الدعم السريع في حرب اليمن كان أفدح من قرار إنشائه، لأنه وفر له شبكة علاقات خارجية قوية، ومصادر دخل هائلة بالعملة الصعبة، وصعّب التخلص منه، وتسبب في تضخيمه حتى من الناحية العسكرية حيث توافرت له أسلحة لم تكن متوافرة له قبلاً، وتم ذلك بطلب من البشير شخصياً لمحمد بن زايد، ثم اكتملت فصول المأساة بتضخم الدعم السريع من الناحية الاقتصادية خلال الفترة الانتقالية بتعيين حميدتي رئيساً للجنة الطوارئ الاقتصادية (بوجود الخبير الاقتصادي نائباً له)، وسيطرة شركة الجنيد المملوكة للدعم السريع على محفظة السلع الاستراتيجية، التي احتكرت استيراد البترول بكل أنواعه والقمح والدواء واحتكرت تصدير (أو بالأحرى تهريب) الذهب السوداني إلى الإمارات وغيرها، بمحفظة كان يسيطر عليها عبد الرحيم دقلو شخصياً بمعاونة صلاح مناع وآخرين، وفي هذه الفترة امتلك الدعم السريع أربعة بنوك تجارية على رأسها بنك الخليج، ومئات الشركات التي تعمل في كل المجالات، كما دخل في شراكات ضخمة مع كل الشركات الأجنبية العاملة في مجال التنقيب عن المعادن، واحتكر صادر الماشية، وامتلك أكبر وأحدث مسلخ في السودان، وتضخمت أعداده إلى أكثر من 150 ألفاً، وامتلك مدرعات ومدافع رباعية وثنائية وراجمات ومسيرات ومدافع مضادة للدروع ونظم اتصالات خاصة به، ونظم للتجسس على الاتصالات وأجهزة تشويش، كما أصبح له وزراء وموالون في كل أجهزة الدولة، بما فيها النيابة والقضاء والبنك المركزي وجهاز الأمن والجيش نفسه، باستمالة ضباط من ضعاف النفوس، وبات قائده نائباً للرئيس بمنصب لا وجود له في الوثيقة الدستورية، وبات أقوى رجل في الدولة فعلياً كما ذكر مناوي، وتمتع بإعفاءات ضريبية وجمركية ضخمة، كما نجح في اختراق لجان المقاومة واستمال عدداً كبيراً من قادتها، وصارت له تنظيمات شبابية عديدة، وغرف إعلامية، وامتلك صحفاً واشترى ذمم عدد من كبار الساسة والصحافيين (سنأتي على ذكرهم لاحقاً)، واشترى قادة أحزاب، وباتت له شبكة علاقات دولية تضم رؤساء في الإقليم ساعدهم حميدتي على الوصول إلى السلطة في بلادهم (مثل محمد بازوم في النيجير وصامويل روتو في كينيا)، وأصبحت له احتياطيات من الذهب وحسابات بمليارات الدولارات في بنوك خارجية، علاوة على ذلك دخل الدعم السريع خلال الفترة الانتقالية في شراكة مع الاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر، وكانت تلك الاتفاقية تضخ له مائة مليون دولار سنوياً، كما امتلك عدداً مهولاً من الأراضي والعقارات الفخمة في الخرطوم والولايات، وتزايدت أعداد تلك العقارات حتى كوّن لها الدعم السريع مفوضية خاصة، نالت إعفاءات من رسوم التسجيل بقرار رئاسي أصدره البشير في خواتيم عهد الإنقاذ، ومن تلك العقارات قطع أراض فخمة وغالية في قلب الخرطوم، تم امتلاكها بوضع اليد.

 

 

خلاصة الأمر أن الجيش كمؤسسة بريء من تهمة إنشاء الدعم السريع ومن جريرة تضخيمه، وأن تلك السقطة التاريخية حدثت بقرارات سياسية وتدخلات أجنبية، دفع الجيش نفسه ثمنها قبل أي جهة أخرى بآلاف الشهداء وآلاف الجرحى وآلاف المعتقلين في حرب أبريل، وما زال يدفع ثمنها حتى الساعة، ويجتهد للقضاء على مليشيا مجرمة تضخمت وتحولت إلى غول ضخم أراد أن يبتلع الدولة السودانية كلها بمخطط دولي غاشم، كاد أن ينجح لولا تصدي الجيش له بمنتهى البسالة والشجاعة والإقدام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.