عثمان ميرغني:يكتب..المبعوث الأمريكي
رصد – اخبار السودان العاجلة –
التقيت بعد ظهر أمس مع زملائي خالد التجاني، عطاف مختار، شوقي عبد العظيم بالمبعوث الأمريكي الخاص بالسودان توم بيريللو في مقر السفارة الأمريكية بالقاهرة. بالتأكيد الحوار مع الشخصية المحورية في ملف السلام في السودان وفي هذا التوقيت مهم في محاولة لاستكشاف ما يجري خلف الكواليس ويمهد للمشهد المقبل.
و بصورة مجملة من الملامح الشخصية للمبعوث ولغة الجسد خلال الحوار تبدو ملاحظتان.. الأولى الاجهاد من الجهد الكبير الذي بذله خلال أكثر من عشرة أشهر منذ بدء مهمته.. والتي تجول خلالها في رحلات مكوكية بين العواصم في القارات الأربع ويزور القاهرة حاليا ربما للمرة العاشرة خلال هذا التجوال.
الملاحظة الثانية تبدو خيوط احساس بالاحباط – وليس اليأس- من حصيلة ما وصلت إليه المهمة التي يقودها بدعم مباشر من الرئيس بايدين و وزير الخارجية بلينكين.
و إذا حاولنا أن نقرأ فنجان هذه العملية السلمية فالمحددات باتت واضحة للغاية وبدون اختراق حقيقي لن يكون بالامكان توقع نتائج حاسمة. أول هذه المحددات و أهمها على الاطلاق تجاوب القيادة السودانية مع جهود المبعوث الأمريكي.
من الواضح من تحفظ المبعوث على سؤالي عن لقائه بالبرهان في نيويورك ولماذا لم يجتمع بوزير الخارجية الأمريكي أن هناك موقفا حازما من البرهان تجاه الانخراط في المفاوضات أو حتى الاقتراب من أسوارها. ومع اعتماد المفاوضات على مشاركة مباشرة للجانب الحكومي الرسمي في المرحلة المتبقية التي تستهدف وقف اطلاق النار فإن كل يوم يمضي يعني تبدد الأمر في التعويل على المفاوضات لحل أزمة السودان.. أو كما قال المبعوث في الحوار (يعني ذلك أن الطرفين يفضلان الحوار بالبنادق على الجلوس حول طاولة مفاوضات..).
والفرصة الوحيدة المتاحة أو المنظورة في الأفق الآن هو الزيارة المرتقبة للمبعوث إلى بورتسودان، وهي لا تزال رهن التقديرات الأمنية للجانب الأمريكي. رغم أنني لا أعرف ماهي الأجندة التي لم يتحدث فيها المبعوث مع البرهان في نيويورك ويرغب في نقاشها معه في بورتسودان. وماهو الفرق بين لقاء في نيويورك وآخر في بورتسودان دون تغير المعطيات.
الملفت للنظر أن المبعوث الأمريكي يستند حاليا لما تحقق في المسار الانساني.. خاصة بعد فتح المعابر من أدري والدبة وسنار.. لكن السؤال الحقيقي الذي قد يجعل هذا المسار بلا جدوى هل يمكن فعلا تحقيق اختراق حقيقي للأوضاع الانسانية في ظل استمرار القتال؟ هذا السؤال تجيب عليه مدينة كسلا نموذجا.
مدينة كسلا بحمد الله بعيدة عن ميادين القتال. ونزحت إليها الالاف الأسر الباحثة عن ملاذ آمن.. ولأنها قريبة من بورتسودان فمن الممكن تصور أن المساعدات الانسانية قد تصل بسهولة وبسرعة اليها.. فما الوضع الانساني في كسلا الآن؟
بنظرة سريعة، تعاني كسلا حاليا من انتشار كبير وسريع لحمى الضنك و غيرها من الأمراض.. ورغم وجود مستشفى كبير فيها إلا أنه عمليا لا يكاد يستطيع الايفاء بالحد الأدنى لمواجهة مرض واحد مثل حمى الضنك.. فلا مكان في العنابر المكتظة.. و المرضى ملزمون بشراء كل مطلوبات العلاج مهما كانت بسيطة من خارج المستشفى في وقت لا تتوفر فيه هذه المواد العلاجية (مثل الفراشة) حتى خارج المستشفى.
يحتاج المريض لاستئجار “عنقريب” من خارج المستشفى ثم يبحث عن أي موضع يمكنه وضع “العنقريب” فيه ليتمكن الكادر الطبي المحدود من التعامل معه. أمر لا يمكن لأحد أن يصدقه إلا إذا شاهد التقرير المصور الذي أعدته صحيفة “التيار” من داخل المستشفى.
مثل هذا الواقع لا ينتظر فتح معابر أو حتى هدنة أو غيرها.. بل وقفا كاملا للحر ب. فهل يبدو ذلك واضحا في الأفق المنظور؟
في تقديري الأمر الآن في يد البرهان، والبرهان فقط. من المفرح أن يشهد الميدان حاليا تسلسلا لانتصارات يستحقها الجيش ويفرح بها الشعب السوداني الذي يقف معه قلبا وقالبا.. لكن في المقابل يظل السؤال الحتمي.. ماهو وضع الإنسان السوداني حال استمرت العمليات العسكرية لأمد أطول؟ قد يكون شهورا أو سنوات لا أحد يمكنه القطع بموعد نهائي للحرب رغم أننا نتطلع أن يكون قريبا وفي مدى لا يتجاوز ماتبقى من هذا العام.
ما الذي يمنع الانخراط في المسار التفاوضي موازيا للمسار العسكري بلا أدنى تداخل أو ارتباط.. أيهما حقق الهدف المنشود أولا فهو المطلوب.