حسين خوجلي يكتب:الوخز بالكلمات
رصد – اخبار السودان العاجلة –
١/ بالرغم من التدمير والخراب والاغتصاب والقتل والسلب واللصوصية والاجرام الذي مارسته مجموعات الارتزاق وشتات الحدود والمطرودين من رحمة الله والشعوب، بالرغم من ذلك فإن الكثير من القيادات الحزبية التي لا حظ لها في الديمقراطية ذات المقاعد الصفرية ظلت تشكل بارادتها في المنافي ظهيراً للغزاة، مع أن المعلومات التي يتداولها الناس بأن منازلهم وأهاليهم ونسائهم لم يسلموا من النهب والاغتصاب والجرائم العابرة والممنهجة.
وبالرغم من هذا الاذلال فما زالوا اللسان والبيان الحاقد لصالح هذا المتمرد ضد شعبهم ومعتقدهم ودينهم، إن كان لهؤلاء معنقد ودين.
وقد ذكرني موقفهم البائس هذا بحكاية الرجل الصالح المنقطع للعبادة في أحد شعاب الجبال، وكان من حوله مجموعة من الحواريين والأتباع وقد خرج أحدهم بدعوة شيطانية يزعم فيها بأن شيخه هو الله تعالى- وتعالى الله عن هذا علواً كبيراً – وبيده مقاليد كل شئ، وقد تصدى له الرجل الصالح وحاول اقناعه بشتى السبل والبراهين واتبع ذلك بالتقريع والعقاب.
ولكن الرجل زاد في غيه، بل أنه راح يستقطب آخرين لدعواه الفاجرة وتبعه في هذا خلق كثير. فأصدر الرجل الصالح قرارا قاسيا فقد أمر اتباعه ان يشعلوا ناراً وأن يلقوا فيها هذا الشيطان وقد فعلوا. وتحلقوا حول ناره ومعهم شيخهم الحزين لما آل تلميذه، ومن وسط الاحتراق واللظى ظل يصرخ بأعلى صوته الآن الآن أيقنت أنك الله فلا معذب بالنار الا هو.
وهذا لعمري هي ذات المطابقة ما بين القحاطة وسيدهم الغائب ومهديهم المنتظر.
٢/ شاعت عبارة لا للحرب وسط المدافعين عن التمرد والمرتزقة وهي كلمةُ حقٍ أريد بها باطل وأشرف الردود عليها وأيسرها قائمة نعم الآتية:
1. نعم للوطن
2. نعم للشعب
3. نعم للجيش
4. نعم للمقاومة الشعبية المسلحة
5. نعم لهزيمة المرتزقة واللصوص والشتات
6. نعم لاستعادة الأعيان والمقار المدنية
7. نعم لاستعادة بيوت الناس
8. نعم لاجلاء الخونة واللصوص والمارقين عن المدن السليبة
9. نعم لإقصاء وعقاب الطابور الخامس
10. نعم للانتصار
11. وأخيراً جدا (لا للحرب) ولا للحرب هنا للأخيار وللأحرار ولا للحرب هناك للأغيار والأشرار والفرق كما يقول السادة المتصوفة فرق نوعٍ ومقدارْ.
٣/ وصلتني إفادة من أحد الاخوة بأن مجموعة من ابناء القوات المسلحة الأبرار كانوا قد دخلوا بيت الامام الصادق بالملازمين ومن بعده قبة الامام المهدي وبيت الخليفة، وأخيرًا منزل الواثق البرير وزوجته زينب الصادق المهدي، والتي سارت بسخريتها الركبان حين قالت: الحق للدعامة بأن يستولوا على بيوت الناس، وإن لم يفعلوا فأين يذهبون، وسكتت عن اكمال بقية الجملة. تُرى أين يذهب المواطنون اصحاب الحق الشرعي في بيوتهم وقد تفرقت بهم السبل والأصقاع والمنافي.
الغريب في الأمر أن دارها قد سُلبت تمام وأصبحت مقرًا دائماً للغزاة. وعلى يديها وأمثالها من القيادات التي استولت على الحزب واسمه وسمعته بسلطة (المأزون) لا بسلطة المضمون وبسلطة (القسيمة) لا بسلطة العزيمة تتم كل هذه الجرائم والفضائح السياسية.
التحية من قبل ومن بعد لابناء الأنصار الشرفاء بالداخل وهم يقاتلون كتفاً بكتف بجانب القوات المسلحة والمقاومة لإرساء حقوق الشعب والوطن والشرعية، بأرواحهم وأموالهم ودمائهم الطاهرة التي جملت بضيائها الحمراء شرفات الوطن الجريح. وفي هذا المقام خرجت هذه الأبيات على طريقة الدوبيت:
الحزب القبيل ارساهو فارس الحوبة
البرمة وبرير هدوهو عِدم الطوبة
ميراث الكيان أدوهو لي زنوبة
بيتك حرروا راجيك ملاح اللوبا
٤/ كنا انذاك تلاميذاً صغاراً بأمدرمان الأهلية الوسطى، ورغم اليفاعة إلا أن أمدرمان المثقفة تعلمك الإصغاء والثقافة والأدب. كنا يومها نتحلق حول راديوهات الترانسيستر لنستمع لمداولات الجمعية التأسيسية، وقد كان البرلمان انذاك يعج بالخطباء والمتحدثين من أهل اللباقة واللغة والسخرية القارصة.
وقد استوقفتني أبيات من الخطاب التاريخي للمحجوب رئيس الوزراء الذي تمت تنحيته لسحب الثقة، وتنصيب السيد الصادق المهدي ابن الثلاثين رئيسا للوزراء. وكان يومها الحزب منقسما بين جناح الصادق وجناح الامام الهادي. استدل المحجوب صاحب اللسان الذرب بهذه الأبيات:
إِنَّ الأُلى قَد كُنتُ أَرمي دونَهُم
غَلّوا يَدَيَّ وَحَطَّموا أَقواسي
وَاِستَبدَلوا سَيفي الجِرازَ بِأَسيُفٍ
خُشبٍ وَباعوا عَسجَدي بِنُحاسِ
وقد قالها تعريضاً لنواب حزب الأمة الذين صوتوا ضده من الجناح الآخر، ظلت هذه الأبيات عالقه في ذاكرتي وقد ظننت أنها لشاعر جاهلي لرصانتها وقوة سبكها، ولكني لم اعرف اسم الشاعر ولم يدلني عليه احد، وبعد سنوات طوال كنت ارتب مكتبتي الخاصة فاحببت أن اراجع قصيدة الطلاسم لإيليا أبوماضي بديوان الخمائل أو الجداول (قد سألت البحر يوماً هل أنا يا بحر منك) والتي ينهي عدة مقاطع منها بتسائله اللطيف لست أدري. ولدهشتي الكبرى فقد وجدت أبيات المحجوب ضمن قصيدة للشاعر إيليا أبو ماضي المهجري الخطير.
وأجد نفسي اليوم اثبتها لكم كتابة فإن في حفظها تأسياً وتعزيةً للنفس وللوطن المستباح والعائد بإذن الله مع نفحات الصبح اذا تنفس.
إِنَّ الأُلى قَد كُنتُ أَرمي دونَهُم
غَلّوا يَدَيَّ وَحَطَّموا أَقواسي
وَاِستَبدَلوا سَيفي الجِرازَ بِأَسيُفٍ
خُشبٍ وَباعوا عَسجَدي بِنُحاسِ
وَالطَلُّ غَيرِ الماسِ إِلّا أَنَّهُم
خُدِعوا بِرَقرَقَةَ النَدى عَن ماسي
وَإِذا حَسِبتَ الرَوضَ تُغَنّي صورَةٌ
عَنهُ فَذَلِكَ مُنتَهى الإِفلاسِ
أَسَدُ الرُخامِ وَإِن حَكى في شَكلِهِ
شَكلَ الغَضَنفَرِ لَيسَ بِالفَرّاسِ
قَد كانَ لي حُلُمٌ جَميلٌ مونِقٌ
فَأَضَعتُهُ لَمّا أَضَعتُ نُعاسي
فَكَّرتُ في ما نَحنُ فيهِ كَأُمَّةٍ
وَضَرَبتُ أَخماسي إِلى أَسداسي
فَرَجَعتُ أَخيَبَ ما يَكونُ مُؤَمِّلٌ
راجٍ وَأَخسَرَ ما يَكونُ الخاسي
نَرجو الخَلاصَ بِغاشِمٍ مِن غاشِمٍ
لا يُنقَذُ النَخّاسَ مِن نَخّاسِ
وَنَقيسُ ما بَينَ الثُرَيّا وَالثَرى
وَأُمورُنا تَجري بِغَيرِ قِياسِ
نَغشى بِلادَ الناسِ في طَلَبِ العُلى
وَبِلادَنا مَتروكَةٌ لِلناسِ
نَكادُ نَفتَرِشُ الثَرى وَبِأَرضِنا
لِلأَجنَبِيِّ مَوائِدٌ وَكَراسي
وَنَلومُ هاجِرَها عَلى نِسيانِهِ
وَاللائِمِ الناسينَ أَوَّلُ ناسي
وَنَبيتُ نَفخَر بِالصَوارِمِ وَالقَنا
وَرِقابُنا مَمدودَةٌ لِلفاسِ
كَم صَيحَةٍ لِلدَهرِ في آذانِنا
مَرَّت كَما مَرَّت عَلى أَرماسِ
تُفنيكَ أَوجُهُهُم وَحُسنُ خَلاقِهِم
عَن كُلِّ وَردٍ في الرِياضِ وَآسِ
أَنا بَينَهُم أَسَدٌ وَجَدتُ عَرينَتي
أَنا بَينَهُم ظَبيٌ وَجَدتُ كِناسي
وَطَني أَحَبُّ إِلَيَّ مِن كُلِّ الدُنى
وَأَعَزُّ ناسٍ في البَرِيَّةِ ناسي